فصل: الجزء السادس عشر

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم **


الجزء السادس عشر

 ثم دخلت سنة ثمان وأربعين وأربعمائة

فمن الحوادث فيها أنـه فـي مستهـل المحـرم عقـد عميـد الملـك أبـو نصـر الكنـدري وزيـر طغرلبـك على هزارسب بن بكير بـن عيـاض الكـردي ضمـان البصرة والأهواز وأعمال ذلك لهذه السنة بثلثمائة ألف دينار سلطانية وأطلقت يده وأذن في ذكر اسمه في الخطبة بالأهواز‏.‏

وفـي المحـرم‏:‏ ابتـدىء بعقـد الجسر من مشرعة الحطابين إلى مشرعة الرواية زيد في زوارقه لعلو الماء فعصفت ريـح شديـدة فقطعـت الجسـر فانحـدرت زوارقـه إلـى الدباغيـن وانحـل الطيـار المربوط بباب الغربة وتكسر سكانه وتشعثت آلاته‏.‏

وفـي هذه السنة‏:‏ عم ضرر العسكر بنزولهم في دور الناس وارتكابهم المحظورات فأمر الخليفة رئيس الرؤساء باستدعاء الكندري وأن يخاطبه في ذلك ويحذره العقوبة فإن اعتمد السلطان ما أوجبه الله تعالى وإلا فليساعدنا في النزوع عن هذه المنكرات فكتب رئيس الرؤساء إلى الكنـدري فحضر فشرح له ما جرى فمضى إلى السلطان فشرح له الحال فقال إنني غير قادر علـى تهذيـب العساكـر لكثرتهم ثم استدعاه في بعض الليل فقال‏:‏ إني نمت في بعض الليل وقد تداخلتني الخشية لله تعالـى ممـا ذكرت لـي فنمـت فرأيـت شخصـًا وقـع في نفسي أنه رسول اللـه صلـى الله وعليه وسلم وكأنه واقف عند باب الكعبة فسلمت عليه فلم يلتفت نحوي وقال‏:‏ يحكمك اللـه فـي بلـاده وعبـاده فلا تراقبه فيهم ولا تستحي من جلاله فامض إلى الديوان وانظر ما يرسمه أمير المؤمنين لأطيع‏.‏

فأنهى رئيس الرؤساء الحال فخرج التوقيع متضمنًا للبشارة برؤية سيدنا رسـول الله صلى الله وعليه وسلم فلما وصل إلى السلطان بكى وأمر بإزالة الترك وإطلاق من وكل به‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ ابتدأ السلطان طغرلبك ببناء سور عريض دخل فيه قطعة كثيرة من المخرم وعزم على بناء دار فيها وجمع الصناع لتجديد دار المملكة العضدية وخربت الدور والدروب والمال والأسواق بالجانب الشرقي وجميع ما يقارب الدار وأخذت آلاتها للاستعمال ونقضت دور الأتراك وسلت أخشابها بالجانب الغربي وقلع الفقـراء أخشـاب السـدور وباعـوه على الخبازين والفراشين‏.‏

وفي يوم الخميس لثمان بقين من المحرم‏:‏ عقد للخليفة القائم بأمر الله على خديجة بنت أخي

السلطان طغرلبك على صداق مبلغه مائة ألف دنيار وحضر قاضـي القضـاة أبـو عبـد اللـه الدامغاني أتقضى القضاة أبو الحسن الماوردي ورئيس الرؤساء أبو القاسم ابن المسلمـة وهـو الـذي خطـب ثـم قال‏:‏ إن رأى سيدنا ومولانا أمير المؤمنين أن ينعم بالقبول فعل‏.‏

فقال‏:‏ قد قبلنا هذا النكاح بهذا الصداق‏.‏

فلما دخل شهر شعبان مضى ابن المسلمة إلى السلطان وقال له أمير المؤمنين‏:‏ يقول لك إن الله تعالـى ‏{‏إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها‏}‏ وقد أذن في نقل الوديعة الكريمة إلى العزيزة فقال‏:‏ السمع والطاعة ومضت والدة الخليفة إلى دار المملكة وأرسلت خاتون بورودها فانحدرت بها ودخلا باب الغربة وقت العتمة ودخل معها عميد الملك فقبل الأرض وقال‏:‏ الخادم ركن الدين قد امتثل المراسم العالية في حمل الوديعة وسأل فيها كرم الملاحظة واجتناب الضيعة‏.‏

ثـم انصرفوا فقلبت الجهة الأرض دفعات عدة فأدناها إليه وقربها منه وأجلسها معـه إلـى جنبـه وطرح عليها فرجية منظومة بالذهب وتاجًا مرصعًا بالجوهـر وأعطاهـا مـن الغـد مائـة ثـوب ديباجا وقصبًا مذهبًا وطاسة من ذهب قد نبت فيها الياقوت والفيروزج وأفرد لها من إقطاع دجلة اثني عشرة ألف دينار‏.‏

وفـي هـذا الوقـت غلت الأسعار فبلغ الكر الحنطة وقد كان يساوي نيفًا وعشرين دينارًا تسعين دينارًا وتعذر التبن حتى كان يباع الكساء مـن التبـن بعشـرة قراريـط وانقطعـت الطريـق مـن القوافل للنهب المتدارك وكان أهل النواحي يجيئون بأموالهم مع الخفر فيبيعونها ببغداد مخافـة النهب ولحق الفقراء والمتجملين من معاناة الغلاء ما كان سببًا للوباء والموت حتى دفنوا بغير غسل ولاتكفين وكان الناس يأكلون الميتة وبيع اللحم رطلًا بقيراط وأربع دجاجـات بدينـار ونصف قفيز أرز بدينار ومائة كراثة بدينار ومائة أصل خس بدينار وعدمت الأشربة فبلغ المـن مـن الشـراب دينارًا والمكوك من بزر البقلة سبعة دنانير والسفرجلة والرمانة دينارًا والخيارة والنيلوفرة دينارًا واغبر الجو وفسد الهواء وكثر الذبـاب ووقـع الغـلاء والمـوت بمصـر أيضًا وكان يموت في اليوم ألف نفس وعظم ذلك في رجب وشعبان حتى كفن السلطان من مالـه ثمانيـة عشـر ألـف إنسـان وحمـل كـل أربعـة وخمسـة فـي تابوت وباع عطار في يوم ألف قارورة فيهـا شـراب وعـم الوباء والغلاء مكة والحجاز وديار بكر والموصل وخراسان والجبال والدنيا كلها‏.‏

وورد كتاب من مصر أن ثلاثة من اللصوص نقبوا بعض الدور فوجدوا عند الصباح موتـى‏:‏ أحدهم على باب النقب والثاني على راس الدرجة والثالث على الثياب المكورة‏.‏

وفـي هـذه السنـة‏:‏ تقـدم رئيـس الرؤسـاء أبـو القاسـم علي بن الحسن ابن المسلمة بأن تنصب أعلام سود في الكرخ فانزعج لذلك أهلها وكان يجتهد في أذاهم وإنما كان يدفع منهم عميد الملك الكندري‏.‏

وفيها‏:‏ هبت ريح شديدة وارتفعت معها سحابة ترابية فأظلمت الدنيا فاحتاج النـاس فـي الأسواق إلى السرج‏.‏

وفيها‏:‏ احتسب أبو منصور بن ناصر السياري على أهل الذمة وألزمهم لبس الغيارات والعمائم المصبوغات وذلك عن أمـر السلطـان فصرفـت ذلـك عـن أمـر السلطـان فصرفـت ذلـك عنهـم خاتون ومنعت المحتسب‏.‏

وفي العشـر الثانـي مـن جمـادى الآخـرة‏:‏ ظهـر فـي وقـت السحـر ذؤابـة بيضـاء طولهـا فـي رأي العيـن نحـو عشرة أذرع ومكثت على هذه الحال إلى النصف من رجب ثـم اضمحلـت وكانـوا يقولـون انـه طلـع مثـل هـذا بمصـر فملكـت وكذلـك بغداد لما طلع هذا ملكت وخطب فيها للمصريين‏.‏

وفي عشية يوم الثلاثاء سلخ رمضان‏:‏ خرج الناس لترأئي هلال شوال فلم يروه وصلى الناس التراويـح علـى عادتهـم ونـووا صـوم غدهـم فلمـا كـان بكـرة يوم الأربعاء جاء الشريف أبو الحسين بن المهتدي المعروف‏:‏ بالغريق الخطيب وقد لبس سواده وسيفه ومنطقته ووراءه المكبرون لابسين السواد على هيئته إلى جامع دار الخلافة فرآه مغلقًا ففتحه ودخل وقال‏:‏ اليوم يوم العيد وقد روئي الهلال البارحة بباب البصرة ورام الصلاة فيه وجمع النـاس بـه وعـرف رئيـس الرؤسـاء الخبر فغاظه ذلك وأِحفظه أن لم يحضر الديوان العِِِزيز ويطالعه بما كان وما تجدد في رؤية الهلال فراسله واستحضره فامتنع وقال‏:‏ حتى أصلي وأعيد ثـم نكفـي إلـى الديـوان فروجـع وأحضـر وأنكـر عليـه إقدامـه علـى فتـح الجامـع وهـو مغلـق وقـد علـم أنه لا خبر للناس من هذا الأمر محقق وقال له‏:‏ قد كان يحبب أن تحضر الديوان العزيز وتنهي الحال ليحيط به العلم الشريف ويتقـدم فيما يوجبه ويقتضيه‏.‏

وأغلط له فيما خاطبه فاعتذر وقال‏:‏ ما فعلت مما فعلته إلا ثقة بنفسي وبعد أن وضحت الصورة عندي وكان قد حضرني البارحة ثمانية أنفس من جيراني أثق بقولهم فشهدوا عندي جميعًا بمشاهدة الهلال فقطعت بذلك وحكمـت وأفطـرت وأفطـر النـاس فـي بـاب البصرة وخرجوا اليوم قاصدين جامع المدنية ولم أعلم أن هذا لم يشع فحضرت وأنكرت كون الجامع مغلقًا ثم جاء قوم فشهدوا برؤية الهلال‏.‏

فقال رئيس الرؤساء لقاضي القضاة أبي عبد الله الدامغاني‏:‏ ما عندك في هذا فقـال‏:‏ أمـا مذهـب أبي مذهب أبي حنيفة الذي هو مذهبي فلا تقبل مع مذهبي فلا تقبل مع صحو السماء وجواز ما يمنع من مشاهدة الهلال إلا قول العدد الكثير الذي يبلغ مائتين وأما

مذهـب الشافعـي رضـي اللـه عنـه الـذي هـو مذهـب هـذا الشريـف فإنـه يقطـع بشهادة اثنين في مثل هذا

وطولع الخليفة بالحال فأمر بالنداء أن لا يفطر أحد فأمسك مـن كـان أكـل وكـان والـد القاضـي أبـي الحسيـن قـد مضـى إلـى جامـع القطيعـة فصلـى بالنـاس وعيد وكذلك في جامع الحربية ولم يعملوا بما جرى‏.‏وفـي هـذه السنـة‏:‏ أقيـم الـأذان فـي المشهـد بمقابـر قريـش ومشهد العتيقة ومساجد الكرخ‏:‏ ‏"‏ بالصلاة خيـر مـن النـوم ‏"‏ وأزيـل مـا كانـوا يستعملونـه فـي الأذان ‏"‏ حي على خير العمل ‏"‏ وقلع جميع ما كان علـى أبـواب الـدور والـدروب مـن ‏"‏ محمـد وعلـي خيـر البشـر ‏"‏ ودخـل إلـى الكـرخ منشـدو أهـل السنة من باب البصرة فأنشدوا الأشعار في مدح الصحابة وتقدم رئيس الرؤساء إلى ابن النسوي بقتـل أبـي عبـد اللـه بـن الجلـاب شيـخ البزازيـن بباب الطاق لما كان يتظاهر به من الغلو في الرفض فقتل وصلب على باب دكانه وهرب أبو جعفر الطوسي ونهبت داره‏.‏

وتزايد الغلاء فبيع الكر الحنطة بمائـة وثمانيـن دينـارًا وأتـى البساسيـري الموصـل فخطـب بهـا للمصري فاستدعى عميد الملك محمد بن النسوي وتقدم إليه بإخراج أبي الحسن بن عبيد كاتب البساسيري وقتله وكان قد أسلم في الحبس ظنًا أن ذلك ينجيه فقتل‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ سار طغرلبك يطلب الموصل وقـد استصحـب النجاريـن وعمـل العـرادات والمجانيق وكانت مدة مقامه ببغداد ثلاثة عشر شهرًا وثلاثة عشر يومًا واجتهد به الخليفة أن يقيـم فلـم يقـم وخـرج بعسكره فنهبوا أوانا وعكبرا وجميع البلاد وسبوا نساءها ونهبت تكريت وحوصرت القلعة وعم الغلاء جميع الآفاق حتى بلغ الكر الحنطة مائة وتسعين دينارًا وزار ذلـك فـي المسكـر فبيـع الخبـز رطـل بنصـف دانـق وعـاد ابـن فسانجس إلى واسط ومعه الديلم وخطب للمصري وورد محمود بن الأخرام الخفاجي من مصر ومعه مال فخطب بشفاتا وعين التمر وبالكوفة للمصري وكذلك فعل شداد بن أسد في النيل وسورا‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

الحسن بن عبد الواحد بن سهل بن خلف أبو محمد ولد في سنة وسبعين وثلثمائـة سمـع مـن ابـن حبابـة والدارقطنـي والمخلـص وغيرهـم وكـان صدوقًا توفي في ربيع الآخر من هذه السنة‏.‏

الحسين بن جريش بن أحمد بن علي بن يعقوب

ولد سنة تسع وستين وثلثماثة وكان يذكر أن أصله من ولد أبي دلف العجلي سمع المخلص ويوسف بن عمر القواس وغيرهما وكان سماعه صحيحًا وتوفي في هذه السنة‏.‏

بدر بن جعفر بن الحسين بن علي أبو الحسن العلوي من ساكني الكوفة‏.‏

كتب عنه أبو بكر الخطيب وقال‏:‏ كان صدوقًا توفي في ذي الحجة من هذه السنة‏.‏

عبد الملك بن محمد بن سلمان أبو محمد العطار سمع أبا الحسن بن لؤلؤ وابن المظفر وكان صدوقًا وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة‏.‏

علي بن علي بن سلك أبو الحسن المؤدب الفالي من أصل بلدة فالة قربية من أيذج أقام بالبصرة مدة وسمع بها من أبي عمر بن عبد الواحد الهاشمي وغيره وقدم بغداد فاستوطنها وكان ثقة‏.‏

أنشدنـا محمـد بـن ناصـر الحافـظ قـال‏:‏ أنشدنـا أبو زكريا التبريزي قال‏:‏ أنشدني أبو الحسن الفالي من لما تبدلت المجالس أوجهًا غير الذين عهدت من علمائهـا ورأيتهـا محفوفة بسوى الألى كانـوا ولـاة صدورهـا وفنائها أنشدت بيتًا سائرًا متقدمًا والعين قد شرقت بجاري مائها أما الخيام فإنها كخيامهـم وأرى نساء الحي غير وأنشد لنفسه‏:‏‏:‏ تصـدر للتدريـس كـل مهوس بليـد يسمى بالفقيه المدرس فحق لأهل العلم ان يتمثلوا ببيت قديم شاع في كل مجلس لقد هزلت حتى بدا من هزالها كلاها وحتى سامها كل مفلس قال أبو زكريا‏:‏ وجدت بخط الفالي لنفسه وكان قد باع الجمهرة لابن دريد فندم بعد ذلك‏.‏

أنست بها عشرين حولًا وبعتها لقد طال وجدي بعدها وحنيني ومـا كـان ظنـي أننـي سأبيعهـا ولو خلدتني في السجون ديوني ولكن لضعف وافتقار وصبية صغار عليهـم تستهـل جفونـي فقلت ولم أملك سوابق عبرتـي مقالة مكوي الفؤاد حزين

أخت القائم بأمر الله توفيت في هذه السنة فأخرج تابوتها وتابوت الذخيرة أبي العباس بن القائم وصلى الخليفة عليهما في صحن السلام وجلس رئيس الرؤساء في الطيار مع التابوتين وحملا إلى الرصافة وحضر في العزاء عدد لا يتجاوزون لخلو البلد وانقراض النـاس بالمـوت والفقر‏.‏

محمد بن أيوب عميد الرؤساء ومولده سنة سبعين وثلثمائة كتب للخليفة ست عشرة سنة‏.‏

وتوفي عن ثمان وسبعين سنة‏.‏

محمد بن أحمد بن علي أبو طائر الدقاق ابن الأشناني سمع من أبي عمر بن مهدي وابن الصلت وأبي عبد الله بن دوست وكان ثقة ومات يـوم السبت للنصف من صفر هذه السنة‏.‏

محمد بن الحسن بن عثمان بن عمر أبو طاهر الأنباري قـدم بغـداد فـي سنـة ثلـاث وتسعيـن وثلثمائة وسمع من الحسين بن هارون الضبي وأبي عبد الله بن دوست وكان صدوقًا وتوفي في نصف من ربيع الأول من هذه السنة‏.‏

محمد بن الحسين بن عثمان بن الحسن أبو بكر الهمذاني الصيرفي سمع الدار قطني وابن حبابة ولم يكن به بأس وتوفي في هذه السنة‏.‏

محمد بن الحسين بن محمد أبو طائر البراز الموصلي ابن سعدون ولد بالموصل نشأ ببغداد وسمع من ابن حيوية وأبي بكر بن شاذان والدارقطني وابن بطة وغيرهم وكان صدوقًا‏.‏

محمد بن عبد الملك بن محمد ابن بشران سمع محمد بن المظفر وأبا عمر ابن حيوية والدارقطني وغيرهم وكان صدوقًا وتوفي في جمادى الأولى من هذه السنة ودفن في مقبرة باب حرب‏.‏

سمع من ابن شاهين وغيره وكان ثقة فاضلًا درس فقه الشافعي على أبي حامد الأسفرائيني وكانت له حلقة للفتوى في جامع المدنية وشهد عند قاضي القضاة أبي عبد الله الدامغاني‏.‏

وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة ودفن بمقبرة باب الدير هلال بن إبراهيم بن هلال أبو الحسين الكاتب الصابي صاحب التاريخ‏.‏ولد سنة تسع وخمسين وسمع أبا علي الفارسي وعلي بن عيسى الرماني وغيرهما وكان صدوقًا وجده أبو إسحاق الصابي صاحب الرسائل وكان أبوه المحسن صابئًا فأما هو فأسلم متأخرًا وكان قد سمع من العلماء في حال كفره لأنه كان يطلب الأدب وتوفي في رمضان هذه السنة‏.‏

ذكر سبب إسلامه أنبأنا محمد بن ناصر الحافظ حدثنا الرئيس أبو علي محمد بن سعيد بن نبهان الكاتب قال‏:‏ قال هلال بن المحسن‏:‏ رأيت في المنام سنة تسع وتسعين وثلثمائة رسول الله صلى الله وعليه وسلـم قد وافى إلى موضع منامي والزمان شتاء والبرد شديد والماء جامد فأقامني فارتعدت حين رأيته فقال‏:‏‏:‏ لا ترع فأني رسول الله وحملني إلى بالوعة في الدار عليها دورق خزف وقال‏:‏ تؤضأ وضوء الصلاة‏.‏

فأدخلت يدي في الدورق فإذا الماء جامد فكسرته وتناولت من المـاء مـا أمررتـه علـى وجهـي وذراعـي وقدمي ووقف في صفة وصلى وجذبني إلى جانبه وقرأ الحمد وإذا جاء نصر الله والفتح وركع وسجد وأنا أفعل مثل فعلـه وقـام ثانيـًا وقـرأ الحمـد وسورة لم أعرفها ثم سلم وأقبل علي وقال‏:‏ انت رجل عاقل محصل والله يريد بك خيرًا فلم تـدع الإسلـام الـذي قامـت عليـه الدلائل والبراهين وتقيم على ما أنت عليه هات يدك وصافحني فأعطيته يدي فقال‏:‏ قل أسلمت وجهي لله وأشهد أن الله الواحد الصمد الذي لم يكن له صاحبة ولا ولد وأنك يا محمد رسوله إلى عبادة بالبينات والهدى‏.‏

فقلت ذاك ونهض ونهضـت فرأيـت نفسـي قائمـًا فـي الصفـة فصحت صياح الانزعاج والارتياع فانتبه أهلي وجاءوا وسمـع أبـي فقـال‏:‏‏:‏ مالكـم فصحـت بـه فجـاءوا وأوقدنـا المصبـاح وقصصـت عليهـم قصتـي فوجمـوا إلا أبـي فإنـه تبسـم وقـال‏:‏ ارجـع إلى فراشك فالحديث يكون عند الصباح وتأملنا الدورق فإذا الجمد الذي فيه متشعث بالكسر وتقدم والدي إلى الجماعة بكتمان ما جرى وقال‏:‏ يا بني هذا منام صحيح وبشرى محمودة إلا أن إظهار هذا الأمر فجأة والانتقال من شريعة إلى شريعة يحتاج إلى مقدمة وأهبة ولكن اعتقد ما وصيت به فأنني معنقد مثله وتصرف في صلاتك ودعائك على أحكامه ثم شاع الحديث ومضت مدة فرأيت رسول الله صلـى اللـه وعليـه وسلـم ثانيًا على دجلة في مشرعة باب البستان وقد تقدمت إليه وقبلت يده فقال‏:‏ ما فعلت شيئًا مما وافقتني عليه وقررته معي فقال‏:‏ لا وأظن أ قد بقيت في نفسك شبهـة تعـال‏.‏

وحملنـي إلـى بـاب المسجـد الذي في المشرعة وعليه رجل خراساني نائم على قفاه وجوفه كالغرارة المحشوة من الاستسقاء ويداه وقدماه منتفختان فأمر يده على بطنه وقرأ عليه فقام الرجل صحيحًا معافى صلى الله عليك يا رسول الله فما أحسن تصديق أمرك وأعجز فعلك

وانتبهت‏.‏

فلمـا كـان فـي سنـة ثلـاث وأربعمائـة رأيـت فـي بعـض الليالي كأن رسول الله صلى الله عليه وسلم راكبًا على باب خيمة كنت فيها فانحنى على سرجه حتى أراني وجهه فقمت إليه وقبلت ركابه ونزل فطرحت له مخدة وجلس وقال‏:‏ يا هذا كم آمرك بما أريد فيه الخير لك وأنت تتوقف عنه‏.‏

قلت‏:‏ يا مولاي أما أنا متصرف عليه قال‏:‏ بلى ولكن لا يغني الباطن الجميل مع الظاهر القبيح وأن تراعي أمرًا فمراعاتك الله أولى قم الآن وافعل ما يجب ولا تخالـف قلت‏:‏ ك السمع والطاعة‏.‏

فانتبهت ودخلت إلى الحمام ومضيت إلى المشهد وصليت فيه وزال

عنـي الشـك فبعـث إلـي فخـر الملـك فقـال‏:‏ مـا الذي بلغني فقلت‏:‏ ك هذا أمر كنت أعتقده وأكتمه حتى رأيت البارحة في النوم كذا وكذا‏.‏

فقال‏:‏ قد كان أصحابنا يحدثون أنك كنت تصلي بصلاتنا وتدعو بدعائنا وحمل إلي دست ثياب ومائتي دينار فرددتها وقلت‏:‏ ما أحب أن أخلط بفعلي شيئًا من الدنيا فاستحسن ما كان مني وعزمت أن أكتب مصحفًا فرأى بعض الشهـود رسـول اللـه صلـى اللـه وعليـه سلـم فـي المنـام وهـو يقـول له‏:‏ تقول لهذا المسلم القادم نويت أن تكتب مصحفًا فاكتبه فيه يتم إسلامك‏.‏

قـال وحدثتنـي امـرأة تزوجتهـا بعـد إسلامـي قالـت‏:‏‏:‏ ك لمـا اتصلـت بـك قيـل لـي انـك علـى دينـك الـأول فعزمت على فراقك فرأيت في المنام رجلًا قيل انه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه جماعة قيل هم الصحابة ورجل معه سيفان قيل انه علي بن أبي طالب وكأنك قد دخلت فنزع علي أحد السيفين فقلدك إياه وقال‏:‏ ها هنا ها هنا‏.‏

وصافحك رسول الله صلى الله وعليـه وسلـم فرفـع أميـر المؤمنيـن رأسه إلي وأنا أنظر من الغرفة فقال‏:‏ ما ترين إلى هذا هو أكرم عند الله وعند رسوله منك ومن كثير من الناس وما جئناك إلا لنعرفك موضعه ونعلمك أننا زوجناك به تزويجًا فقري عينًا وطيبي نفسًا فما ترين إلا خيرًا فانتبهت وقد زال عني كل شك وشبهة‏.‏

قال أبـو علـي بـن نبهـان فـي أثـر هـذا الحديـث عـن جـده لأمـه أبـي الحسـن الكاتـب‏:‏ ان النبـي صلـى اللـه وعليه وسلم قال له في المرة الثالثة‏:‏ وتحقيق رؤياك إياي أن زوجتك حامل بغلام فإذا وضعته فسمه محمدًا‏.‏

فكان ذلك كما قال وأنه ولد له ولد فسماه محمدًا وكناه أبا الحسن‏.‏

 ثم دخلت سنة تسع وأربعين وأربعمائة

فمن الحوادث فيها أنه في المحرم فتح الذعار عدة دكاكين من نهر الدجاج ونهر طابق والعطارين وكسروا دراباتها وأخذوا ما فيها واستعفى ابن النسوي من الشرطة فأعفي‏.‏

وفي العشر الأخير من المحرم‏:‏‏:‏ بلغت الكارة الدقيق تسعة دنانير وكدى المتجملون وكثير من التجار وأكلت الكلاب والميتات ومات من الجوع في كل يوم خلق كثير وشوهدت امرأة معها فخذ كلب ميت قد اخضر وجاف وهي تنهشه ورمي من سطح طائر ميت فاجتمع عليه خمسة أنفس فاقتسموه وأكلوه ورؤي رجل قد شوى صبية في أتون فأكلهـا فقتـل وسـددت أبواب دور مات أهلها وكان الإنسان يمشي في الطريق فلا يرى إلا الواحد بعد الواحد‏.‏

وفي صفر هذه السنة‏:‏ كبست دار أبي جعفر الطوسي متكلم الشيعة بالكرخ وأخذ ما وجد من دفاتره وكرسي كان يجلس عليه للكلام وأخرج ذلك إلى الكرخ وأضيف إليه ثلاثة مجانيق بيض كان الزوار من أهل الكرخ قديمًا يحملونها معهم إذا قصدوا زيارة الكوفة فأحرق الجميع‏.‏

وفي جمادى الآخرة‏:‏ ورد كتاب من تجار ما وراء النهر قد وقع في هذه الديار وباء عظيم مسرف زائد عن الحد حتى انه خرج من هذا الإقليم في يوم واحد ثمانية عشرة ألف جنازة وأحصي من مات إلى أن كتب هذا الكتاب فكانوا ألف وستمائة ألف وخمسين ألفًا والناس يمرون في هذه البلاد فلا يرون إلا أسواقًا فارغة وطرقات خالية وأبوابًا مغلقة حتى إن البقر نفقت‏.‏

وجاء الخبر من آذربيجان وتلك الأعمال بالوباء العظيم وأنه لم يسلم إلا العد القليل‏.‏

ووقع وباء بالأهواز وأعمالها وبواسط وبالنيل ومطير أباذ والكوفة وطبق الأرض حتى كان يخد للعشرين والثلاثين زبية فيلقون فيها وكان أكثر سبب ذلك الجوع وكـان الفقـراء يشـوون الكلاب وينبشون القبور فيشوون الموتى ويأكلونهم وكان لرجل جريبان أرضًا دفع إليه في ثمنها عشرة دنانير فلم يبعها فباعها حينئذ بخمسة أرطال خبز وأكلها ومات مـن وقتـه‏.‏

وطويـت التجارات وأمور الدنيا وليس للناس شغل في الليل والنهار إلا غسل الأموات والتجهز والدفن وتاب الناس كلهم وتصدقوا بمعظم أموالهم وأراقوا الخمور وكسروا المعازف ولزموا المساجد لقراءة القرآن خصوصًا العمال والظلمة وكل دار فيها خمر يموت أهلها في ليلة واحدة ووجدوا دارًا فيها ثمانية عشر نفسًا موتى ففتشـوا متاعهـم فوجـدوا خابيـة خمـر فأراقوهـا ودخلوا على مريض طال نزعه سبعة أيام فأشار بإصبعه إلى خابية خمر فقلبوها وخلصه الله تعالى من السكرة وقبل ذلك كان من يدخل هذه الدار يموت ومن كان مع امرأة حرامًا ماتا من ساعتهما وكل مسلمين بينهما هجران وأذى فلم يصطلحا ماتا معًا ومـن دخـل الـدار ليأخـذ شيئًا مما قد تخلف فيها وجدوا المتاع معه وهو ميت‏.‏

ومات رجل كان مقيمًا بمسجد فخلف خمسين ألف درهم فلم يقبلها أحـد ووضعـت فـي المسجـد تسعـة أيـام بحالهـا فدخـل أربعة أنفس ليلًا إلى المسجد وأخذوها فماتوا عليها‏.‏

ويوصي الرجل الرجل فيموت الذي أوصى إليه قبل الموصي وخلت أكثر المساجد من الجماعات وكان أبو محمد عبد الجبار بن محمد الفقيه معه سبعمائة متفقه فمات وماتوا سوى اثني عشر من الكل‏.‏

ودخـل رجـل علـى ميـت وعليـه لحـاف فأخـذه فمـات ويده في طرف اللحاف وباقية على الميت‏.‏ودخـل دبيـس بـن علـي بلـاده فوجدها خرابًا لا أكار بها ولاعالمة وجمع العميد أبو نصر الناس من الطرقـات للعمـل فـي دار المملكـة وفيهـم الهاشميـون والقضـاة والشهـود والتجـار فكانـوا يحملـون اللبن على أكتافهم وأيديهم عدة أسابيع‏.‏

وفـي يـوم الأربعـاء لسبـع بقيـن من جمادى الآخرة‏:‏ احترقت قطيعة عيسى وسوق الطعام والكبش وأصحـاب السقـط وبـاب الشعيـر وسـوق العطاريـن وسـوق العروس وباب العروس والأنماط والخشابين والجزارين والنجارين والصف والقطيعة وباب محول ونهر الدجاج وسويقة غالب والصفارين والصباغين وغير ذلك من المواضيع والرواضع‏.‏

وعاد طغرلبك من الموصل إلى بغداد وسلم الموصل وأعمالها إلى إبراهيم ينال ابن أخيه فأحسن إبراهيم وفـي هـذه السنـة‏:‏ لقـي السلطـان طغرلبـك الخليفة القائم بالله وكان السلطان يسأل في ذلك إلى أن تقـرر كـون هـذا في ذي القعدة فجلس رئيس الرؤساء في صدر رواق صحن السلام وبين يديه الحجّاب ثم استدعى نقيبي العباسيين والعلويين وقاضي القضاة والشهود فلما تضاحى النهار كتـب إلـى السلطـان طغرلبـك بمـا مضمونـه الـاذن عن أمير المؤمنين في الحضور فأنقذ ذلك مع ابني المأمون الهاشميين ومن خدم الخواص خادمين ومن الحجّاب حاجبين ولما وفق السلطان على ذلـك نزل في الطيار وكان قد زيّن وأنفذ إليه فانحدر ومعه عدة زبازب سميريات وعلى الظهر فيلـان يسيـران بـإزاء الطيـار فدخل الدار والأولاد والأمراء والملوك يمشون بين يديه ونحو خمسمائة

غلـام تـرك فلمـا وصـل إلى باب دهليز صحن السلام وقف طويلًا على فرسه حتى فتح له ونزل فدخل إلى الصحن ومشى وخرج رئيس الرؤساء إلى وسطه فتلقاه فدخل على أمير المؤمنين وهو على سرير عال من الأرض نحو سبعة أذرع عليه قميص وعمامة مصمتان وعلى منكبه بـردة النبـي صلـى اللـه وعليـه وسلـم وبيـده القطيـب فحيـن شاهـد السلطـان أميـر المؤمنين قبّل الأرض دفعات فلما دنا من مجلس الخليفة صعد رئيس الرؤساء إلى سرير لطيف دون ذلك السرير بنحو قامة وقال له أميـر المؤمنيـن‏:‏ أصعـد ركـن الديـن إليـك وليكـن معـه محمـد بـن منصـور الكنـدري‏.‏

فأصعدهما إليه وتقدم وطرح كرسي جلس وقال أمير المؤمنين لرئيس الرؤساء‏:‏ قل له يا علي‏:‏ أمير المؤمنين حامد لسعيك شاكر لفضلك آنس بقربك زائد الشغف بك وقـد ولاّك جميع ما ولاه تعالى من بلاده ورد إليك فيه مراعاة عبادة فاتق الله فيما ولاّك واعرف نعمته عليك وعبدك في ذلك واجتهد في عمارة البلاد ومصالح العباد ونشر العـدل وكـفّ الظلم‏.‏

ففسر له عميد الملك القول فقام وقبّل الأرض وقال‏:‏ أنا خادم أمير المؤمنين وعبده ومتصرف على أمره ونهيه ومتشرف بما أهلني له واستخدمني فيـه ومـن اللـه تعالـى استهـداء المعونـة والتوفيق‏.‏

واستـأذن أميـر المؤمنيـن فـي أن ينهـض ويحمـل إلـى حيـث تفـاض الخلـع عليـه فنـزل إلـى بيـت في جانب البهو ودخل معه عميد الملك فألبس الخلع وهي سبع خلع في زي واحد وترك التاج على رأسه وعاد فجلس بين يدي أمير المؤمنين سيفًا ورام تقبيل ا لأرض فلم يتمكن لأجل التاج وأخـرج أميـر المؤمنيـن سيفـًا من ين يديه فقلّده إياه وخاطبه بملك المشرق والمغرب واستدعى ألوية وكانـت ثلاثـة‏:‏ اثنـان خمريـة بكتائـب صفـر وآخـر بكتائب مذهبة سمي لواء الحمد فعقد منهم أمير المؤمنين لواء الحمدبيده وأحضر العهد فقال‏:‏ يسلم إليه ويقال له‏:‏ يقرأ عليك عهدنا إليك ويفسر لك لتعمل بموجبه وبمقتضى ما أمرنا به خار الله لنا ولك وللمسلمين فيما فعلنا وأبرمناه آمرك بما أمرك الله به وأنهاك عما نهاك الله عنـه وهـذا منصـور بـن أحمـد نائبنـا لديـك وصاحبنـا وخليفتنا عندك ووديعتنا فاحتفظ به وراعه فإنه الثقة السديد والأمين الرشيد وانهض على اسم الله تعالى مصاحبًا محروسًا‏.‏

وكان من السلطان طغرلبك في كل فصل يفصل له من الشكر وتقبيل الأرض ما أن عن حسن طاعتـه وصـادق محبتـه وسـأل مصافحتـه باليـد الشريفة فأعطاه أمير المؤمنين يده دفعتين قبل لبسه الخلـع وعند انصرافه من حضرته وهو يقبلها ويضعها على عينيه ودخل جميع من في الدار من الأكابر والأصاغر إلى المكان فشاهدوا تلك الحل وخرج إلى صحن دار السلام فسار والخيل والألوية أمامه ولما خرجت الألوية رفعت من سطح صحن السلام وحطت على روشن بيت النوبـة ومنـه إلـى الطيـار لئـلا تخـرج فـي الأبـواب فتنكـس ومضـى وهنـأه عـن الخليفة وقال له‏:‏ إن أمير المؤمنين يأمرك أن تجلس للهناء بما أفاضه عليك من نعمة وولاك من خدمته وحمل إليه خلعة فقـام وقبّل الأرض وقال‏:‏ قد أهلني أمير المؤمنين لرتبة يستنفذ شكري ويستعبدني بما بقي من عمـري وأتـاه بسـدة مذهبـه وقـال لـه‏:‏ أمير المؤمنين يأمرك أن تلبس هذا التشريف وتجلس في هذا الدست وتأذن للناس ليشهدوا ما تواتر من إنعامه فيبتهج الولي وينقمع العدو‏.‏

وحمـل السلطـان فـي مقابلـة ذلـك خمسيـن غلامـًا أتراكـًا على خيول بسيوف ومناطق وعشرين رأسًا من الخيل وخمسين ألف دنيار وخمسين قطعة ثياب‏.‏

وفي ذي الحجة من هذه السنة‏:‏ قبض على أبي محمد الحسن بن عبد الرحمن اليازوري بمصر وعلى ثمانين من صحابه وقررت عليه أموال عظيمة‏.‏

وكتب خطة بثلاثة آلاف ألف دنيار وأخـذ مـن المختصيـن بـه ألـوف وكـان فـي ابتـداء أمره قد حج وأتى المدنية وزار رسول الله صلى الله عليه وسلم فسقط على منكبه قطعة من الخلوق فقال أحد القوام‏:‏ أيها الشيخ أبشرك بأمر ةلـي الحباء والكرامة إذا بلغت إليه أعلمك أنك تلي ولاية عظيمة وهذا الخلوق الذي وقع عليك شاهدها وهو دليل على علو منزلة من يسقط عليه‏.‏

فضمن له ما طلبه فلم يحل الحول حتى ولي الوزارة وأحسن إلى الرجل وتفقد الحرمين أحسن تفقد وكان من أصحاب أبي حنيفـة وكان أبو يوسف القزويني يحكي سيرته ونفاق أهل العلم عليه وقال انه التقاني يومًا وقد توجه إلى ديوانه فلما رآني وقف ووقف الناس لأجله وقال لي‏:‏ إلى أين فقلت‏:‏ قصدتك لحوائج كلفنـي أقـوام قضاءهـا فقـال لا أبـرح مـن مكانـي حتـى تذكرهـا فجعلـت أذكر له حاجة وهو يقول‏:‏ نعم وكرامة حتى قال في الحاجة الأخيرة‏:‏ السمع والطاعة ثم انفرد أمير كان معه بعد انصرافه فقال له‏:‏ أي شي أنت فقلت‏:‏ أنا لا شي‏.‏

فقال‏:‏ لا شيء يقول له الوزير السمع والطاعة‏.‏

فقال‏:‏ أنا من أهل العلم‏.‏

فقال‏:‏ استكثر مما معك فإنه إذا كان في شخص أطاعته الملوك‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

أحمد بن عبد الله بن سليمان أبو علاء التنوخي المعري ولد يوم الجمعة عند غروب الشمس لثلاث بقين من ربيع الأول سنة ثلاث وستين وثلثمائة وأصابـة الجـدري فـي سنة سبع أو أواخر سنة ست فغشى حدقتيه ببياض فعمي فقال الشعر وهو ابن إحدى عشرة سنة وله أشعار كثيرة وسمع اللغة وأملى فيها كتبًا وله بها معرفة تامة ودخل بغداد سنة تسع وتسعين وثلثمائة وسمع اللغة وأملى وسبعة أشهر ثم عاد إلى وطنه فلـزم منزلـه وسمـى نفسـه‏:‏ رهيـن المحبسيـن لذلك ولذهاب بصرة وبقي خمسًا وأربعين سنة لا يأكل اللحم ولا البيض ولا اللبن ويحرم إيلام الحيوان ويقتصر علـى مـا تنبـت الـأرض ويلبـس خشـن الثياب ويظهر دوام الصوم ولقيه رجل فقال له‏:‏ لم لا تأكل اللحم فقال‏:‏ أرحم الحيوان قال‏:‏ فما تقـول فـي السبـاع التـي لا طعـام لهـا إلا لحـوم الحيـوان فـإن كـان الخالـق الـذي دبـر ذلك فما أنت بأرأف منه وان كانت الطبائع المحدثة لذلك فما ما قد ذبحة غيره فأي رحمة قد بقيت في ترك أكله وكانت أحواله تدل على اختلاف عقيدته وقد حكي لنا عـن أبـي زكريـا أنـه قـال‏:‏ قـال لـي المعـري‏:‏ مـا الـذي تعتقـد فقلـت فـي نفسـي‏:‏ اليـوم أعـرف اعتقـاده فقلـت‏:‏ مـا أنا إلا شاك فقال‏:‏ هكذا شيخك‏.‏

وكان ظاهر أمره يدل أنـه يميل إلى مذهب البراهمة فإنهم لا يرون ذبح الحيوان ويجحدون الرسل وقد رماه جماعة من أهل العلم بالزندقة والإلحاد وذلك أمره ظاهر في كلامه وأشعاره وأنه يرد على الرسل ويعيب الشرائع ويجحد البعث ونقلت من خط أبي الوفاء ابن عقيل أنه قال‏:‏ من العجائب أن المعري أظهر ما أظهر من الكفر البارد الذي لا يبلغ منه شبهات الملحدين بل قصر فيه كل التقصير وسقط من عيون الكل ثم اعتذر بأن لقوله باطنًا وأنه مسلم في باطن فلا عقل له ولا دين لأنه تظاهر بالكفر وزعم أنه مسلم في الباطن وهكذا عكس قضايا المنافقين والزنادقة والمنافقين إذا كان المتدين يطلب نجاة الآخـرة والزنديـق يطلـب النجاة في الدنيا وهو جعل نفسه عرضة لا هلاكها في الدنيا حين طعن في الإسلام وأبطن الكفر وأهلك نفسه في المعاد فلا عقل له ولا دين وهذا ابن الريوندي وأبو حيان ما هؤلاء من القتل إلا لان إيمان الأكثرين ما صفا‏.‏بل في قلوبهم شكوك تختلج وظنون تعتلج مكتومة إما لترجح الإيمان في القلوب أو مخافة الإنكـار مـن الجمهـور فلمـا نطـق ناطـق شبهاتهم أصغوا إليه ألا ترى من صدق إيمانه كيف قتل أباه وإذا أردت أن تعلمصحة ما قلت فانظـر إلـى نفورهـم عنـد الظفـر فـي عشائرهـم وفـي بعـض أهوائهـم أو فـي صـور يهوونهـا فان نظر إلى إراقة الدماء فإذا ندرت نادرة في الدين - وإن كثر وقعها - لم يتحرك منهم نابضة قال المصنف رحمه الله‏:‏ وقد رأيت للمعري كتابًا سماه الفصول والغايات يعارض بـه السـور والآيات وهو كلام في نهاية الركة والبرودة فسبحان من أعمى بصره وبصيرته وقد ذكره على حـروف المعجـم فـي آخـر كلماته فما هو على حرف الألف‏:‏ طوبى لركبان النعال المعتمدين على عصى الطلح يعارضون الركائب في الهواجر والظلماء يستغفر لهم قحة القمر وضياء الشمس وهنيئًا لتاركي النوق في غيطان الفلا يحوم عليها ابن داية يطيف بها السرحان وشتان أوارك قوة الألبان وجرى لبنها أفقد من لبن العطاء وكله على هذا البارد وقد نظرت في كتابه المسمى لزوم مالا يلزم وهو عشرة مجلدت وحدثني ابن ناصر عن أبي زكريا عنه يأشعار كثيرة فمن أشعاره‏:‏

إذا كان لا يحظى برزقك عاقل ** وتـرزق مجنونـًا وتـرزق أحمقا

فلا ذنب يا رب العباد على أمرىء ** رأى منك ما لا يشتهي فتزندقا

وله‏:‏

وهيهات البرية في ضلـال ** وقـد نظـر اللبيـب لمـا اعتراهـا

تقدم صاحب التـوراة موسـى ** وأوقع في الخسـار مـن افتراهـا

فقـال رجالـه وحي أتاه ** وقال الناظرون بل افتراها

مـا حجـي إلـى أحجـار بيت ** كؤوس الخمر تشـرب فيذراهـا

إذا رجع الحليم إلى حجاة ** تهاون بالمذاهب وازدراها

وله‏:‏ هفت الحنيفة والنصارى ما اهتدت ويهود حارت والمجوس مضللـه

وله‏:‏

فلا تحسب مقال الرسـل حقـًا ** ولكـن قول زور سطروه

وكان الناس في عيـش رغيـد ** فجاءوا بالمحال وكدروه

وله‏:‏

إن الشرائـع ألقت بيننا إحنا ** وأورثتنـا أفانيـن العـداوات

وهل أبيح نساء الروم عن ** عرض للعرب إلا بأحكام النبـوات

وله‏:‏

أفيقوا أفيقوا يا غواة فإنما ** دياناتكم مكر من القدماء

وله‏:‏

تناقـض مالـه إلا السكوت له ** وأن نعوذ بمولانا من النار

يد لخمس مئين عسجد فديت ** ما بالها قطعت في ربع دينـار

وله‏:‏

لا يكـذب الناس على ربهم ** ماحـرك العرش ولا زلزلا

تحطمنا الايام حتى كأننا ** رجيع زجاج لا يعادلنا سبـك

وله‏:‏

كون يرى وفساد جاء يتبعه ** تبارك الله ما في في خلقه عبث

وإن يـؤذن بلـال لابـن آمنـة ** فبعده لسجاح ما دعى شبث

أراد بالبيـت الـأول المجـون ومعناه‏:‏ هل هذا إلا عبث وعني بالبيت الثاني‏:‏ شبت ابن ربعي فإنه أذن لسجـاح التـي ادعـت النبـوة وذكر نبينا عليه السلام باسم أمه وأراد إن كان قد جرى له هذا فقد جرى مثله لا مرأة وله في هذا المعنى فساد وكون حادثان كلاهما‏.‏

وله في مثل ذلك‏:‏ شهيد بإن الخلق صنـع حكيـم وله مثل الذي قبله‏:‏ فربما حل موصوف يراقبه فكيف يمحن أطفال بإيلام وله‏:‏

أمور تستخف بها حلـوم ** وما يدري الفتى لمن الثبور

كتـاب محمد وكتاب موسى ** وإنجيل ابـن مريـم والزبـور

قلتم لنا خالق قديـم صدقتم هكـذا فقولـوا زعمتموه بلا زمان ولا مكان ألا فقولـوا هذا كلام لـه خبـيء معنـاه ليسـت لنا عقول انظر إلى حماقة هذا الجاهل أنكر أن يكـون الخالـق موجـودًا لا فـي زمـان ولا فـي مكـان ونسي أنه أوجدهما‏.‏

وإنما ذكرت هذا من أشعاره ليستدل بها على كفره فلعنه الله‏.‏

وذكر أبو الحسن محمد بن هلال ابن المحسن الصابي في تاريخه قال‏:‏ ومن أشعار المعري‏:‏ صـرف الزمـان مفرق الإلفين فاحكـم إلهـي بيـن ذاك وبينـي أنهيت عن قتل النفوس تعمـدًا وبعثت أنت لأهلها ملكين وزعمـت أن لها معادًا ثانيًا مـا كان أغناها عن الحالين مـات أبـو العـلاء المعـري فـي ربيـع الـأول مـن هـذه السنة بمعـرة النعمـان عن ست وثمانين سنة إلا أربعة وعشرين يومًا وقد روي لنا أنه قد أنشد على قبره ثمانون مرثية رثاه بها أصحابه ومن قرأ عليه ومال إليه فقال بعضهم‏:‏

وهؤلاء بين أمرين‏:‏ إما جهّال بما كان عليه وإما قليلو الديـن لايبالـون بـه ومـن سبـر خفيـات الأمور بانت له فكيف بهذا الكفر الصريح في هذه الأشعار‏.‏

قال ابن الصابىء‏:‏ ولما مات المعري رأى بعض الناس في منامه كأن أفعيين على عاتقي رجل ضرير تدليا إلى صدره ثم رفعا رأسيهما فهما ينهشان من لحمه وهو يستغيث فقـال‏:‏ مـن هذا‏.‏

فقيل‏:‏ المعري الملحد‏.‏

الحسين بن أحمد بن القاسم بن علي بن أحمد بن أحمد بن إبراهيم بن طباطبا بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي ابن أبي طالب النسابة ولد في ذي القعدة سنة ثمانين وثلثمائة وتوفي في صفر هذه السنة‏.‏

أخبرنـا القـزاز أبـو بكـر الخطيـب قـال‏:‏ كـان متميزًا من بين أهله بعلم النسب ومعرفة أيام الناس وله حظ في الأدب وعلقت عنه حكايات ومقطعات من الشعر‏.‏

أبو عثمان أبو عبد الله ابن النصيبي الحسين بن عثمان سمع علي بن عمر السكري والدارقطني والمخلص قال الخطيب‏:‏ كتبت عنه وكان صحيح

سعد بن أبي الفرج محمد بن جعفر ابن أبي الفرج يكنى أبا الغنائم علاء الدين ابن فسانجس وزر مدة للملك أبي نصر بن أبي كاليجار ونظر في أول أيام الغز بواسطة وخطب للمصريين فحمل إلى بغداد وشهّر بها وصلب بإزاء التاج في هذه السنة وكان عمره سبعًا وثلاثين سنة‏.‏

عبيد الله بن الحسين بن نصر أبو محمد العطار سمع ابن المظفر والدارقطني أخبرنا القزاز أخبرنا الخطيب قال‏:‏ كتبت عنه وكان ثقة وسألته عن مولده فقال‏:‏ سنة اثنتين وسبعين وثلثمائة وتوفي في هذه السنة‏.‏

عدنان بن الرضي الموسوي ولي نقابة الطالبيين وتوفي في هذه السنة‏.‏

 ثم دخلت سنة خمسين وأربعمائة

أنـه وقـع في يوم الثلاثاء سادس عشر المحرم برد كبار وهلك كثير من الغلات وزنت منه واحدة بصريفين فكانت نيفًا وثلاثين درهمًا وزادت دجلة هذا يوم خمسة عشر ذراعًا‏.‏

ثم في يوم السبي رابع عشر صفر وقع برد بالنهروان وما يقاربها من السواد كبيض الدجاج رجل ففتحت رأسه وضربت أخرى رأس فرس فرمى راكبه وشرد‏.‏

وزاد العبث من أصحاب السلطان فكانوا يأخذون عمائم الناس حتى إنـه عبـر فـي جمـادى الآخـرة أبـو منصـور ابـن يعقـوب إلـى نقيـب العلوييـن ومعـه أبـو الحسيـن بن المهتدي فلما بلغوا إلى باب الكرخ أخذت عمامة ابن المهتدي فأسرعت العامة إلى أخذها فاستردوها وأخذت بعد ذلك بيوم عمامة أبي نصر ابن الصباغ وطيلسانه‏.‏

وفـي شهـر رمضـان‏:‏ تجـدد للعـوام المتدينيـن المتسميـن بأصحـاب عبد الصمد إلزام أهل الذمة بلبس الغيار وحضر الديوان رجل هاشمي منهم يعرف بابن سكرة فخاطـب رئيـس الرؤسـاء ابـن المسلمـة فـي ذكر ما عليه أهل الذمة من الانبساط وكلّمه بكلام فيه غلطـة فأغاظـه فكتـب إلـى الخليفـة بذلـك فخـرج مـا قـوى أمـر ابن سكرة وكان أبو علي ابن فضلان الهيـودي كاتـب خاتـون فأمره ابن المسلمة مساغًا لما يريد فصار أهل الذمة ينسلون ويخرجون إلى أشغالهم‏.‏

وفي ثامن عشر شوال‏:‏ بين المغرب والعشاء كانت زلزلة عظيمة لبثت ساعة عظيمة ولحق الناس منها خوف شديد وتهدمت دور كثيرة ثم وردت الأخبار أنها اتصلت من بغداد إلى همـذان وواسـط وعانـة وتكريـت وذكر أن أرحـاء كانت تدور فوقفت وبعد هذه الزلزلة بشهر أخرج القائم من داره وجرت محن عظيمة‏.‏وكان السلطان طغرلبك قد خرج إلى الموصل ثم توجه إلى نصيبين ومعه أخوة إبراهيم ينال فخالف عليه أخوة إبراهيم وانصرف بجيش عظيم معه يقصد الري وكان البساسيري راسل إبراهيم يشير عليه بالعصيان لأخيه ويطمعه بالتفرد بالملك ويعد معاضدته فسار طغرلبك في أثر أخيه إبراهيم وترك العساكر وراءه فتفرقت عنه غير أن وزيره المعروف بالكندري وربيبه أنو شروان وزوجته خاتون وردوا بغداد بمن بقي مههم من العسكر في شـوال هـذه السنـة وانتشر الخبر باجتماع طغرلبك مع أخيه إبراهيم بهمذان وأن إبراهيم استظهر على طغرلبك وحصـر فـي همذان فعزمت خاتون وابنها أنو شروان والكندري على المسير إلى همذان لإنجاد طغرلبك فاضطرب أمـر بغـداد اضطرابـًا شديـدًا وأرجـف المرجفـون باقتـراب البساسيري فبطل عزم الكندري عن المسير فهمت خاتون بالقبض عليه وعلى ابنها لتركهما مساعدتها على إنجاد زوجها فنفرا إلـى الجانـب الغربـي مـن بغـداد وقطعـا الجسـر وراءهمـا واستولـى مـن كـان مـع خاتـون مـن الغز على ما تضمنتها من العين والثياب والسلاح وغبر ذلك من صنوف الأموال ونفذت خاتون بمن انضوى إليها وهم‏:‏ جمهور العسكـر متوجهـة نحـو همـذان وخـرج الكنـدري وأنـو شـروان يؤمان طريق الأهواز فلما خلا البلد من العساكر انزعج الناس‏:‏ من أراد أن يخرج فليخرج‏.‏

فبكى الناس والاطفال وعبر كثير من الناس إلى الجانب الغربي فبلغت المعبرة دينارين وثلاثة‏.‏

وطـار فـي تلـك الليلـة علـى دار الخليفـة نحـو عشـر بومـات مجتمعـات يصحن صياحًا مزعجًا فقال أبو الأغر بن مزيد رئيس الرؤساء‏:‏ ليش عندنا من يرد والرأي خروج الخليفة عن البلد إلى البلاد السافلة فأجاب الخليفة ثم صعب عليه مفارقة داره وامتنع وأظهر رئيس الرؤساء قوة النفس لأجل موافقة الخليفة وجمعوا من العوام من يصلح للقتال وركب رئيس الرؤساء وعميد العراق إلى دار المملكة وأخذا ما يصلح من السلاح وضربا في الباقي النـار فلمـا كـان يـوم الجمعـة السادس من ذي الفعدة تحقق الناس كون البساسيري بالأنبار ونهض الناس إلى صلـاة الجمعـة بجامع المنصور فلم يحضـر الإمـام فـأذّ المؤذنـون ونزلـوا فخبـروا أنهـم رأوا عسكـر البساسيري حذاء شارع دار الرقيق وجاء العسكر وصلى الناس الظهر بغير خطبة‏.‏

ثـم ورد فـي يـوم السبـت نحـو مائتي فارس ثم دخل البساسيري بغداد يوم الأحد ثامن ذي القعدة ومعه الرايات المصرية فضرب مضاربه على شاطىء دجلة فتلقاه أهل الكرخ فوقفوا في وجه فرسه وتضرعوا إليه أن يجتاز عندهم فدخل الكرخ وخرج إلى مشرعة الروايا فخيم بها وكان علـى رأسـه أعلـام عليها مكتوب الامام المستنصر بالله أبو تميم معد أمير المؤمنين وكان قد جمع العيارين وأهل الرساتيق وأطمعهم في نهب دار الخلافة والناس إذا ذاك في ضر ومجاعة ونزل قريـش ابـن بـدران فـي نحـو مائتـي فـارس على مشرعة باب البصرة فلما استقر بالقوم المنزل ركب عميد العـراق مـن الجانـب الشرقـي فـي العسكـر وحواشـي الدولـة والهاشمييـن والعـوام والعجـم إلـى آخـر النهـار فلـم يجابهـوا عسكر البساسيري بشيء ونهبت دار قاضي القضاة أبي عبد الله الدامغاني وهلك أكثر السجلات والكتب الحكمية فبيعت على العطارين ونهبت دور المتعلقين بالخليفة ونهب أكثر باب البصرة بأيدي أهل الكرخ تشفيًا لأجـل المذهـب وانصـرف الباقون عراة فجاؤوا إلى سوق المارستان وقعدوا على الطريق ومعهم النساء والأطفال وكان البرد حينئذ شديدًا وعاود أهل الكرخ الأذان بحي على خير العمل وظهر فيهم السور الكثير وعماوا راية بيضاء ونصبوها وسط الكرخ وكتبوا عليها اسـم المستنصـر باللـه وأقـام بمكانـه والقتال يجري في السفن بدجلة‏.‏

فلما كان يوم الجمعة الثالث عشر من ذي القعدة‏:‏ دعي لصاحب مصر في جامع المنصـور وزيـد فـي الـأذان حـي علـى خيـر العمـل وشـرع البساسيـري فـي إصلاح الجسر فقعده بباب الطاق وعبر عسكره عليه فنزلوا الزاهر وحضرت الجمعة يوم العشرين من ذي القعدة فدعي لصاحب مصر بجامع الرصافة وخندق وحفرت آبار في الحلبة وخرج رئيس الرؤساء فوقف دون باب الحلبة يفرق النشاب ثم فتح الباب فاستجرهم البساسيري ثم كر عليهم فانهزموا وامتـلأ بـاب الخليفـة بالقتلـى وأجفـل رئيس الرؤساء إلى دار الخليفة فهرب أهل الحريم وعبروا إلى الجانـب الغربـي ونهـب العـوام مـن نهـر معلـى وديـوان الخـاص مـا لا يحصى وأحرقوا الأسواق فركب الخليفة لابسًا للسواد على كتفه البردة وعلى رأسه اللواء وبيده سيف مجـرد وحولـه زمرة من الهاشميين والجواري حاسرات منشرات معهن المصاحف على رؤوس القصـب وبيـن يديـه الخـدم بالسيـوف المسلولـة فوجـد عميـد العراق قد استأمن إلى قريش بن بدران وكان قريش قد ظافر البساسيري وأقبل معه فصعد الخليفة إلى منظرة له واطلع أبو القاسم ابن المسلمة وصـاح بقريش‏:‏ يا علم الدين أمير المؤمنين يستدنيك‏.‏

فدنا فقال له‏:‏ قد أتاك الله رتبة لم ينلها أمثالـك فـإن أميـر المؤمنيـن يستـذم منـك على نفسه وأهله وأصحابه بذمام الله تعالى وذمام رسوله صلى الله وعليه وسلم وذمام العرب فقال له قريش‏:‏ قد أذم الله تعلى له فقال‏:‏ ولمن معه قـال‏:‏ نعـم وخلـع قلنسوتـه من تحت عمامته فأعطاها الخليفة ذمامًا فتسرح ابن المسلمة إليهم من الحائط ونزل الخليفة ففتح الأب المقابل لباب الحلبة وخرج فقبّل قريش الـأرض بيـن يديـه دفعات فبلغ البساسيري ذلك فراسل وقال‏:‏ أتذم لهما وقد استقر بيني وبينك ما استحلفتك عليه وكانا قد تحالفا أن لا ينفرد أحدهمـا بأمـر دون الآخـر وأن يكـون جميـع مـا يتحصـل مـن البلـاد والأمـوال بينهـا‏.‏

فقـال له قريش‏:‏ ما عدلت عما استر بيننا وعدوك هو ابن المسلمة فخذه وأنـا آخـذه وأنـا آخـذ الخليفة بإزائه‏.‏

فقنع بذلك وحمل ابن المسلمة إلى البساسيري فلما رآه قال‏:‏ مرحبًا بمدفع الدول ومهلك الأمم ومخرب البلاد مبيد العباد‏.‏

فقال له‏:‏ أيها الأمير العفو عند المقدرة‏.‏

فقال‏:‏ قد قدرت فما عفوت وأنت تاجر وصاحب طيلسان ولم تستبق من الحرم والأطفـال والأجنـاد فكيـف أعفـو عنـك وأنـا صاحـب سيـف وقـد أخـذت أموالـي وعاقبـت حرمي ونفيتهـم فـي البلـاد وشتتنـي ودرسـت دوري ولكـن هـذا أيضـًا مـن قصـورك الفاسـد وعقلك الناقص‏.‏

واجتمع العامة فسبوه وهمّوا به فأخذه البساسيري يسير إلى جنبه خوفًا عليه من العامة ولم يزل يوبخه وهو يعتذر وحل الركابيه حزام البرذون الذي كان تحته ليسقط فيتمكن العامة من قتله فسقط فوقف البساسيري يذب عنه إلى أن أركبه ومضى به إلى الخيمة فقيده ووكل به وضرب ضربًا كثيرًا وقيد‏.‏

ثم ظفر بالسيدة خاتون زوجة الخليفة فأكرمها وسلمها إلى أبي عبد الله ابن جردة ومضى الخليفـة إلى المعسكر وقد ضرب له قريش خيمة إزاء بيته بالجانب الشرقي فدخلها ولحقه قيام الدم وأذم قريش لابن جردة ابن يوسف وكان ابن جردة قد ضمن لقريش لأجل داره ومن التجأ إليها من التجار عشرة آلاف دينار ونهبت العوام دار الخليفة وأخذوا منها ما يعتذر حصره من الديبـاج والجواهـر واليواقيـت وأحرقـوا ربـاط أبـي سعـد الصوفـي ودار ابن يوسف ثم نودي برفع النهب وحمل البساسيري الطيار إلى عسكره ثم نقله إلى الحريم الظاهري وعليه المطارد البيض‏.‏

فلما جاء يوم الجمعة الرابع من ذي الحجة لم يخطب بجامع الخليفة وخطب في سائر الجوامع لصاحب مصر‏.‏

وفـي هـذا اليـوم انقطعـت دعـوة الخليفـة مـن بغـداد وجـرى بيـن البساسيـري وقريـش بـن بـدران في أمر الخليفـة مـن التجـاذب مـا أدى إلـى نقلـه عـن بغـداد وأن لا يكـون في يد أحدهما وتسليمه إلى بدوي يعرف بمهارش صاحب حدثية عانة واعتقاله فيها إلى أن يتقرر لهما عزم فعرف الخليفة ذلك فراسل قريش بالمجيء إليه فلم يفعل فقام ومشى إلى خيمته فدخل فعلق بذيله وقال له‏:‏ ما عرفت ما استقر العزم عليه من إبعادي عنك وإخراجي عن يديك وما سلمت نفسي إليك إلا لما أعطيتني الذمام الذي يلزمك الوفاء به وقد دخلت الآن إليك ووجب لي عليك ذمام فإني عليك فالله الله في نفسي فمتى أسلمتني أهلكتني وضيعتني وما ذاك معروف في العرب‏.‏

فقـال‏:‏ مـا ينالـك سـوء ولا يلحقـك ضيـم غيـر أن هـذه الخيمـة ليست دار مقام مثلك وابو الحارث لا بؤثر مقامك في هذا البلد وأنا أنقلك إلى الحديثة وأسلمك إلى مهارش ابن عمي وفيه دين فلا تخف واسكن إلى مراعاتي لك وعد إلى مكانك‏.‏

فلما يئس منه قال عنه وهو يقول‏:‏ لله أمر هو بالغه ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم‏.‏

وعبر قريش ليلة الأربعاء التاسع من ذي الحجة إلى الجانب الغربي وضرب خيمة بقرب جامع المنصور وحمل الخليفة إلى المشهد بمقابر قريش وقال له‏:‏ تبيت الليلة فيها فامتنع وقال هؤلاء العلويون الذين بها يعادوني‏.‏

فألزم الدخول وبات ليلته في بعض الترب وحضر من الغد جماعة من أصحاب البساسيري وأصحاب قريش فتسلموه من موضعه وأقعده في هودج على جمل وسيروه إلى الأنبار ثم إلى حدثية عانة علـى الفـرات وكـان صاحـب الحدثيـة مهـارش البدوي حسن الطريقة فكان يتولى خدمة الخليفة ولما بلغ الأنبار شكا وصول البرد إلى جسمه فأخرج شيخ من مشايخ الأنبار يعرف‏:‏ بابن مهدويه جبة برد فيها قطن ومقيارًا ولحافًا وكتب الخليفة ولما بلغ الخليفة الأنبار شكا وصول البرد إلى بغداد يلطف فيها بالبساسيري وقريش يدعوهما إلى إعادته إلى بغداد وإحسان العشرة ويحلف بالأيمان المؤكدة على براءة ساحته من جميع ما نسب إليه فلم يقع الالتفات إليها ولا أجيب عنها فأقام الخليفة بالحديثة‏.‏

وذكر عبد الملك بن محمد الهمذاني عن بعض الليالي للصلاة ووجدت في قلبي حلاوة المناجاة فدعـوت اللـه تعالـى فيمـا سنـح ثـم قلـت‏:‏ اللهم أعدني إلى وطني واجمع بيني وبين أهلي وولدي ويسر اجتماعنا وأعد روض الأنـس زهـرًا وربـع القـرب عامـرًا فقـد قـل العـزاء وبـرج الخفـاء فسمعـت قائلًا على شاطىء الفرات يقول بأعلى صوته نعم نعم فقلت هذا رجل يخاطب آخر ثم أخذت في السؤال والابتهال فسمعت ذلك الصائح يقول‏:‏ إلى الحول إلى الحول‏.‏

فعلمت أنـه هاتـف أنطقـه اللـه تعالـى بمـا جـرى الأمـر عليه فكان خروجه من داره حولًا كاملًا خرج في ذي القعدة ورجع في ذي القعدة‏.‏

وروى محمود بن الفضل الأصبهاني أن القائم كتب في السجن دعاء وسلمه إلى بدوي وأمره أن يعلقـه علـى الكعبـة‏:‏ إلـى اللـه العظيـم من عبده المسكين اللهم إنك العالم بالسرائر والمحيط بمكنونات السرائر اللهم إنك غني بعلمك واطلاعك على أمور خلقك عن إعلامي بما أنا فيه عبد من عبادك قد كفر بنعمتك وما شكرك وأبقى العواقب وما ذكرها أطغاه حلمك واغتـر الظالـم وأنت المطلع العالم والمنصف الحاكم بك نعتز عليه وإليك نهرب مـن يديـه فقـد تعـزز علينـا بالمخلوقين ونحن نعتز بك يا رب العالمين اللهم إنا حاكمناه إليك وتوكلنا في إنصافنا منه عليك وقد رفعت ظلامتي إلى حرمك ووثقت في كشفها بكرمك فاحكم بيني وبينه وأنت خير الحاكمين وأرنا به ما نرتجيه فقد أخذته العزة بالإثم فاسلبه عزه ومكنا بقدرتك من ناصيته يا أرحم الراحمين فحملها البدوي وعلقها على الكعبة فحسب ذلك اليوم فوجد أن البساسيري قتل وجي برأسه بعد سبعة أيام من تاريخ‏.‏

ومن شعر القائم الذي قال في الحديثة‏:‏ خابت ظنوني فيمن كنت آمله ولم يخب ذكر من واليت في خلدي تعلموا من صروف الدهر كلهم فما أرى أحدًا يحنو على أحد وقال أيضًا‏:‏ ما لي من الأيام إلا موعد فمتى أرى ظفرًا بذاك الموعـد يومـي يمـر وكلما قضيته عللت نفسي بالحديث إلى غد أحيا بنفـس تستريـح إلـى المنـا وعلى مطامعها تروح وتغتدي وأمـا حديـث البساسيـري‏:‏ فإنـه ركـب يـوم الخميـس عاشر ذي الحجة من سنة خمسين إلى المصلى فـي الجانـب الشرقي وعلى رأسه الألوية والمطادر المصرية وعيد ونحر وبين يديه أبو منصور بن بكـران حاجـب الخليفـة علـى عادتـه في ذاك وكان قد أمنه وردّ أبا الحسين بن المهتدي إلى منبره بجامـع المنصـور ولبس الخطباء والمؤذنون الثياب البياض ونقل العسكر إلى مشرعة المارستان في الجانب الغربي وضرب دنانير سماها المستنصرية وكان عليها من فرد جانب‏:‏ لا إله ووليه الإمام أبو تميم معد المستنصر بالله أمير المؤمنين وكان يقبض على أقوام يغرقهم بالليل وغرق جماعة عزموا على الفتك به وخرج الناس من الحريـم ودار الخلافـة حتـى لـم يبـق لهـا إلا الضعيـف وخلت الدور‏.‏

وفـي الاثنيـن لليلتيـن بقيتـا مـن ذي الحجـة‏:‏ أخـرج أبـو القاسـم ابـن المسلمـة مـن محبسـه بالحريم الظاهري مقيدًا وعليه جبة صوف وطرطور من لبد أحمر وفي رقبته مخنقة من جلود كالتعاويذ وأركـب جمـلًا وطيـف بـه فـي محـال الجانـب الغربـي ووراءه من يصفعه بقطعة من جلد وابن المسلمة يقرأ‏:‏ قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتذل من تشاء الآية وشهر في البلد ونثر عليه أهل الكرخ لما اجتاز بهم خلقان المداسات وبصقوا في وجهه ولعن وسبّ في جميع المحال ووقف بإزاء دار الخليفة ثم أعيد إلى المعسكر وقد نصبت له خشبة ببـاب خراسـان فحـط مـن الجمل وخيط عليه جلد ثور قد سلخ في الحال وجعلت قرونه على رأسـه وعلق بكلابين من حديدفي كتفيه واستقي في الخشبة حيًا فقال لهم‏:‏ قولوا للأجل قد بلغـك اللـه أغراضـك منـي فاصطنعنـي لتنظـر خدمتـي وإن قتلتنـي فربما جرى من سلطان خراسان ما يهلك به البلاد والعباد‏.‏

فسبوه واستقوه ولبث إلى آخر النهار يضطرب ثم مات‏.‏

وكـان البساسيـري قد أمر بترك الكلابين في ترقوته ليبقى حيًا أيامًا حاله وأمر أن يطعم كل يوم رغيفيـن ليحفـظ نفسـه فخـاف مـن تولـى أمـره أن يعفـو عنـه البساسيـري فضرب الكلابين في مقتله فقال عند موته الحمد لله الذي أحياني سعيدًا وأماتني شهيدًا‏.‏

ثم أفرج عـن قاضـي القضـاة الدامغانـي بعـد أن قـرر عليـه ثلاثـة آلـاف دينـار فصحـح منهـا سبعمائة وأمسك البساسيري عن مطالبة الباقي ثم إن السلطان طغرلبك خرج من همذان وهزم عسكر أخيه وفي هذه السنة‏:‏ ولي أبو عبد الله بن أبي طالب نقابة الطالبيين‏.‏

وفيها‏:‏ عصى علي بن أبي الخير بالبطائح وكان متقدم بعض نواحيها فكسر جيش طغرلبك ومعهم عميد العراق أبو نصر‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

الحسن بن محمد كان إمامًا ثقة وقتل في الفتنة ودفن يوم الجمعة تاسع ذي الحجة من هذه السنة

الحسين بن محمد بن طاهر بن يونس أبو عبد الله مولى المهدي سمع الدارقطني وابن شاهيـن وغيرهمـا وكـان صدوقـًا حسـن الاعتقـاد كثيـر الـدرس للقـرآن وينزل شارع دار الرقيق وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة ودفن بمقبرة باب حرب داود جغريبك أخو السلطان طغرلبك الأكبر‏.‏كان ببلخ بإزاء أولاد محمود بن سبكتكين‏.‏

طاهر بن عبد الله بن طاهر بن عمر أبو الطيب الطبري الفقيه الشافعي ولد بآمل سنة ثمان وأربعين وثلثمائة وسمع بجرجان من أبي احمد الغطرفي وبنيسابـور مـن أبـي الحسـن الماسرجسـي وعليه درس الفقه وسمع ببغداد من الدارقطني والمعافى وغيرهما‏.‏

وولي القضاء بربع الكرخ بعد موت الصيمري وكان ثقة دنيًا ورعًا عارفًا بأصول الفقه وفروعه حسن الخلق سليم الصدر‏.‏

أخبرنـا القـزاز أخبرنـا الخطيـب قـال‏:‏ سمعت أبا الحسن محمد بن محمد بن عبد الله القاضي يقول‏:‏ ابتـدأ القاضـي أبـو الطيـب الطبـري بـدرس الفقه وتعلم العلم وله أربع عشرة سنة فلم يخلّ به يومًا واحدًا إلى أن مات‏.‏

أخبرنا محمد بن ناصر عن المولى بن أحمد قال‏:‏ سمعت أبا إسحـاق الشيـرازي يقـول‏:‏ دفـع القاضي أبو الطيب الطبري خفًا له إلى خفاف ليصلحه فكان يمر عليه ليتقاضاه وكان الخفاف وكلمـا رأى القاضـي أخـذ الخـف فغمسـه في الماء وقال‏:‏ الساعة الساعة فلما طال عليه قال‏:‏ إنما دفعته إليك لتصلحه ولم أدفعه إليك لتعلمه السباحة‏.‏

توفى الطبري يوم السبت لعشر بقين من ربيع الأول سنة خمسين وأربعمائة وصلى عليه أبو الحسيـن ابـن المهتـدي بجامـع المنصور ودفن بمقبرة باب حرب وقد بلغ من السن مائة وستين سنة وكان صحيح العقل ثابت الفهم سليم الأعضاء يفتي ويقضي إلى حين وفاته‏.‏

عبيد الله بأحمد بن عبد الله أبو القاسم الرقي العلوي أخبرنـا القـزاز أخبرنا أبو بكر الخطيب قال‏:‏ سكن الرقي بغداد في درب أبي خلف من قطيعة الربيـع وكـان أحـد العلمـاء بالنحـو والـأدب واللغـة عارفـًا بالفرائـض وقسمـة المواريث وحدّث وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة ودفن في مقبرة باب حرب‏.‏

عبد الواحد بن الحسين بن شيطا‏.‏

سمع أبا محمد بن معروف وعيسى بن علي بن عيسى الوزير وغيرهما وكان ثقة وكان بصيرًا بالعربية عالمًا بوجوه القراءات حافظًا لمذاهب القرذاء‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ سألت ابن شيطا عن مولده فقـال‏:‏ ولـدت يـوم الاثنيـن السـادس عشـر من رجب سنة سبعين وثلثمائة ودفن من يومه في مقبرة الخيزران‏.‏

عبد العزيز بن علي بن محمد بن عبد الله ابن بشران أبو الطيب سمع ابن المظفر وابن حيويه وغيرهما وكان سماعه صحيحًا سألتـه عـن مولـده فقـال‏:‏ سنـة ثمان وستين وثلثمائة‏.‏

وتوفي في صفر هذه السنة ودفن في مقبرة باب الدير علي بن محمد بن حبيب أبو الحسن الماوردي البصري كان من وجوه فقهاء الشافعية وله تصانيف كثيرة في أصول الفقه وفروعه وله المقترن والنكت فـي التفسيـر والأحكـام السلطانيـة وقوانيـن الـوزراء والحكـم والأمثـال وولـي القضاء ببلدان كثيرة وكان يقول‏:‏ بسطت الفقه في أربعة آلاف ورقة وقد اختصرته في أربعين‏.‏

يريد بالمبسوط الحاوي وبالمختصر الإقناع وكان وقورًا متأدبًا لا يرى أصحابه ذراعه وكان ثقة صالحًا وتوفي في ربيع الأول من هذه السنة ودفن بمقبرة باب حرب وبلغ ستًا وثمانين سنة علي بن عمر أبو الحسن البرمكي أخو أبي اسحاق سمع من ابن حبابة والمعافى توفى في هذه السنة ودفن بمقبرة باب حرب‏.‏

علي بن الحسن بن أحمد بن محمد بن عمر أبو القاسم بن المسلمة سمع أبا أحمد الفرضي وغيره وكان أحد الشهود المعدلين ثم استكتبه الخليفة القائم بأمر الله واستوزره ولقّبه‏:‏ رئيس الرؤساء شرف الوزراء جمال الورى وكان مضطلعًا بعلوم كثيرة مع رأي ووفور عقل‏.‏

قـال المصنـف رحمـه اللـه‏:‏ ونقلت من خط أبي الوفاء بن عقيل أنه قال‏:‏ ذكر لي بعض أهل العلم المحققين أن رئيس الرؤساء قال للشيخ أبي اسحاق في مسألـة القائـل لزوجتـه‏:‏ إن دخلـت أو خرجت إلا باذني فأنت طالق هل يكفي فيه إذن مرة أليس قوله‏:‏ إن دخلت الدار فأنت طالق لا يقتضـي التكرار ولا فيه لفظ من ألفاظ التكرار وإنما هو حرف من حروف الشرط فإذا كان كذلـك فلا وجه لا عتبار تكرر الإذن ولا لتكرار الوقوع بعدم الإذن‏.‏

فكان الشيخ أبو اسحاق يقول عولوا على هذا دليلًا في المسألة‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز أخبرنا أبو بكر بن ثابت قال‏:‏ سمعت علي بن الحسن الوزير يقول‏:‏ ولدت في شعبـان سنـة سبـع وتسعيـن وثلثمائـة فرأيـت فـي المنـام وأنـا حـدث كأنـي أعطيـت شبـه النبقـة الكبيرة وقد ملأت كفي وألقى في روعي أنها من الجنة فعضضت منها عضة ونويت بذلك حفظ القرآن وعضضـت أخـرى ونويـت درس النحـو وعضضـت أخـرى ونويـت درس العـروض فما من هذه العلوم إلا وقد رزقني اله منه‏.‏

قتل الوزبر أبو القاسم يوم ثامن عشر ذي الحجة من هذه السنـة قتلـه البساسيـري ثـم قتـل البساسيري وطيف برأسه في بغداد خامس عشر ذي الحجة سنة إحدى وخمسين وأربعمائة‏.‏

وذكر محمـد بـن عبـد الملـك الهمذانـي المـؤرخ قـال‏:‏ مـن عجيب الاتفاق‏:‏ لما ولي ابن المسلمة وزارته ركـب إلى جامع المنصور بعد أن خلع عليه فأتى إلى تل فنزل في موكبه وصلى عليه ركعتين وقـال‏:‏ هـذا موضـع مبارك وكان قديمًا بيت عبادة وعنده صلب الحسين بن منصور الحلاج ثم أصابت رئيس الرؤساء عند ذلك رعدة شديدة وكان الناس يقولون إنه حلاجي المذه فبقي في الـوزارة اثنتـي عشـرة سنـة وأشهـرًا وصلـب فـي ذلـك المكـان بعينـه فعلـم النـاس أن رعدتـه كانت لذلك وبلغ من العمر اثنتين وخمسين سنة وخمسة أشهر‏.‏

أبو الفوارس الأسدي صاحب الجزير منصور بن الحسين توفي واجتمعت العشيرة على ولده صدقة‏.‏